التمست لها عذراً
(يالها من مغرورة متعجرفة) كان هذا هو انطباعي عن جارتي في مسكني الجديد في ذلك الحي الراقي، كنت أتوقع أن تحاول التعرف عليّ والترحيب بي كجارة جديدة ولكنها لم تفعل ، حين تقابلني في المصعد أو أمام البيت تكتفي بأن تبتسم لي ابتسامة شاحبة ثم تنصرف بسرعة بل إنها أحياناً تتجاهلني كأنها لم ترني أبداً، لا باس، ومن تظن نفسها سأبادلها نفس المعاملة وأشد !
فجاة وجدتها تدق بابي وهي ترجوني بعين دامعة أن تستعمل هاتفي في مكالمة هامة فهمت كل شيء من المكالمة ومما شرحته لي بنفسها.
أخبرتني أن زوجها مريض، وأن إصابته بالمرض فاجأتها ، وأنها تتحمل وحدها مسؤولية البيت والأولاد ورعاية الزوج ومتابعة حالته الحرجة وأن هذ الحادث أحدث انقلاباً شديداً في حياتها.
شعرت بالخجل وهي تعتذر لي برقة وانكسار عن عدم تمكنها من زيارتي والترحيب بي . قلت لها: بل اعتبريني أختاً لك ولا فرق بيننا.
لو لم يحدث هذا الموقف ويكشف لي عن ظروفها الدقيقة ومشاعرها الدقيقة لظللت على تقديري الظالم لها، وأخذت ألوم نفسي فلماذا لم أبدأها بالتعارف والتحية؟، ولماذا لم ألتمس لها عذراً؟ ولماذا سبق إلى ذهني الظن السيئ ؟ مع ما في ذلك كله من مخالفة لأوامر الإسلام وهدي الحديث النبوي.
أين وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجار في أكثر من حديث
((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
لقد باعدت الحياة المدنية الحديثة بيننا وجعلت كل منا يحيا وكأنه جزيرة منعزلة وسط محيط الحياة الصاخب، كل منها منكفئ على ذاته ، لا تتعدى اهتماماته حدود دائرة ضيقة جداً ممن حوله، وينظر للآخرين برؤية خاطفة مبتسرة مشوهة ناقصة، في حين لو سعى كل منا للتواصل الإنساني بمن حوله لصارت الحياة أجمل وأكثر ثراءاً فوقتها سنشعر بالفرح مضاعفاً ، وسنشعر بالحزن مخففاً ، فالمشاركة في الفرح تضاعفه واقتسام الحزن يخففه وقد قال - صلى الله عليه وسلم –
((مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)).
فإذا تواصلنا وتعاونا على البر والتقوى وتكاتفنا في مواجهة الشدائد واشتركنا في الأفراح واقتسمنا الأحزان لصارت الحياة أكثر بهجة وجمالاً وأصبحنا فعلاً كالبنيان المرصوص كما قال - صلى الله عليه وسلم –
((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )) *.
:
ة: :
ة: :
ة: :
ة: :
ة: :
ة: :
ة: :
ة: :
ة: