السيطرة البرتغالية :
كان اكتشاف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1497م و وصولهم الى الهند سنة 1498م بداية عصر جديد في تاريخ العالم بعامة والعرب بخاصة, ذلك لان البرتغاليين منذ وصولهم إلى الهند قد شرعوا يفرضون سيطرتهم علىالمحيط الهندي واحتكارهم للتجارة الشرقية, وعملوا على تدمير السفن العربية التي كانت تقوم بنقل هذه التجارة من الهند الى الخليج العربي أو البحر الأحمر.
وحتى يحكم البرتغاليون سيطرتهم على هذه الطرق الملاحية قاموا سنة 1506م باحتلال جزيرة سوقطرة وجزر الحلانيات (كوريا – موريا) ثم اتجهوا نحو ساحل عمان فاستولوا على قلهات وقريات واحرقوا السفن الموجودة فيهما, ثم قاموا بحصار مسقط فسقطت بعد مقاومة باسلة فاشعلوا فيها النيران واحرقوا السفن الراسية في الميناء, اما بالنسبة لسكان المدينة فقد قتل البرتغاليون اعداد كبيرة منهم, وكان هدف البرتغاليين من ذلك ارهاب سكان المنطقة حتى لا يفكروا في مقاومتهم(1)
وعقب سقوط مسقط استولى البرتغاليون على صحار ومنها اتجهوا الى خور فكان فاستولوا عليها بعد
المدن العمانية التي تعرضت للغزو البرتغالي
مقاومة شديدة وفعلوا بها وبسكانها ما فعلوه بمسقط وسكانها.
وفي السنة التالية قام البرتغاليون بحصار مدينة هرمز والاستيلاء عليها بعد معركة بحرية كبيرة واجبروا حاكمها على توقيع اتفاق ينص على :
(1) دفع غرامة حربية باهظة واتاواة سنوية كبيرة.
(2) اعفاء البضائع البرتغالية من الرسوم الجمركية.
(3) منع السفن المحلية من القيام بالتجارة في الخليج الا بعد الحصول على اذن من البرتغاليين.
أسباب الغزو البرتغاليين لعمان :
وجد البرتغاليون ان العمانيين هم أكبر منافس لهم في تجارة الشرق, فقد كان العمانيون يسيطرون على هذه التجارة منذ زمن بعيد جدا, وحاول البرتغاليون القضاء على هذه المنافسة عن طريق التغلب على قوة العمانيين البحرية. وكان البرتغاليون, في الوقت نفسه, يحاولون إضعاف العمانيين العرب المسلمين, لان هدفهم كان محاربة الاسلام في كل مكان.
أرسل ملك البرتغالي حملة بحرية بقيادة السفاح البرتغالي الشهير البوكيرك لغزو سواحل الخليج العربي وخاصة عمان التي كانت تشكل أكبر قوة عربية في الخليج العربي, وحرمانها من التجارة مع الهند وشرقي أفريقيا. وقد استطاع البوكيرك أن يفاجىء السفن العمانية الراسية في الموانىء ويدمرها واحتل قلعة قلهات سنة 1507م ثم احتل قريات, ومسقط, وخورفكان وخربها بعد أن كانت مزدهرة. واحتل ايضا صحار, وارتكب فيها فظائع وحشية تدل على حقده على المسلمين, فقتل عددا كبيرا من السكان, ثم حاصر هرمز واحتلها سنة 1508م وأسس فيها أول قلعة برتغالية في الخليج, وكانت عمان قبل قدوم البرتغاليين تعيش في رخاء من الزراعة والتجارة, إلا أن الغزو البرتغالي قطع تجارة العمانيين وخرب المناطق الساحلية.
وكتب البوكيرك عن مسقط يقول : " ان مسقط مدينة ضخمة كثيرة السكان .. وفيها بساتين وحدائق ومزارع للنخيل وبرك من الماء لريها بواسطة محركات خشبية, اما ميناؤها فصغير وله شكل حدوة الحصان, يوفر الوقاية من كل الرياح ... كانت مسقط في الآونة الأخيرة سوقا لنقل الخيول والتمور. وهي مدينة على درجة كبيرة من الأناقة والجمال, ومنازلها بديعة جدا, تمون من المناطق الداخلية بكميات كبيرة من القمح والذرة والشعير والتمور, تكفي لتحميل كل السفن التي تأتي لابتياعها".
لم يقبل العمانيون الخضوع للبرتغاليين فظلوا يغيرون على الحصون البرتغالية حتى ان البرتغاليين كانوا يخشون مغادرتها, وثاروا عليهم في هرمز ومسقط وقريات وصحار سنة 1521م. استمرت السيطرة البرتغالية على السواحل العمانية حوالي مائة عام. وقد حاول العثمانيون المسلمون طرد البرتغاليين من الخليج وبالرغم من عدم نجاحهم في ذلك, الا انهم تمكنوا من اضعافهم واخافتهم, فقام البرتغاليون ببناء حصنين جديدين هما قلعتا الميراني والجلالي في مسقط سنة 1588م.
القلعة الميراني القلعة الجلالي
_______________________________________________________
(1) كان قائد البرتغاليين في هذا العدوان الاجرامي الاثم "الفونسو البوكيرك".
قيام دولة اليعاربة في عمان :
كان البرتغاليون يحتلون الساحل العماني, وكانت عمان مقسمة إلى مدن و مناطق يدير كلا منها حاكم وكان هؤلاء يتنازعون فيما بينهم. اجتمع رجال العلم والدين وأهل الحل والعقد في الرستاق واختاروا ناصر بن مرشد اليعربي إماما على عمان عام 1624م, واقسموا أن يخلصوا له في حربه ضد البرتغاليين المستعمرين.
ينتمي الإمام ناصر بن مرشد إلى قبيلة يعرب التي كان مقرها في الرستاق, ويرجع اختياره إلى صفات شخصية كان يتحلى بها مثل الاستقامة والنزاهة والتدين, لذلك يعتبر الإمام ناصر بن مرشد من اعدل الأئمة الذين ظهروا في عمان.
قال بعض المؤرخين " ان الامام ناصر بن مرشد جعل " شمس الخلاص" تطلع على شعب عمان بعد ان ظل يعاني ردحا طويلا من الزمن".
كان قيام دولة اليعاربة في عمان ممثلة بالإمام ناصر بن مرشد نقطة تحول في تاريخ عمان والخليج ومنطقة المحيط الهندي :
§ توحدت البلاد تحت حكم مركزي قوي.
§ تحررت البلاد من الاحتلال البرتغالي البغيض ومن ثم انتهى الوجود البرتغالي في المنطقة العربية كافة.
§ تحرر الساحل الشرقي لإفريقيا من الاحتلال البرتغالي و أصبح تابعا لحكم دولة اليعاربة.
§ تم إنشاء أول أسطول عربي تجاري وحربي نشر راية عمان في المياه العالمية.
§ اعتنى اليعاربة بنشر التجارة بين بلادهم وبلدان الخليج وبين العالم الخارجي.
§ اهتم اليعاربة بالزراعة وجلب المحاصيل الزراعية.
§ تم إنشاء الحصون والقلاع التاريخية الشهيرة في عمان والتي تشهد بروعة فن العمارة في القرن السابع عشر الميلادي.
2. توحيد عمان والجهاد ضد البرتغاليين على البر العماني في عهد الإمام ناصر بن مرشد 1624م – 1649م.
بدأ الإمام ناصر عهده بالعمل على استتباب الأمن وتوحيد البلاد في دولة مركزية قوية, حيث إن عمان كانت مقسمة إلى مدن ومناطق على كل منها حاكم, وبعد أن نجح في هذه المهمة, أصبح لديه جيش موحد قوي, فتوجه إلى مقارعة البرتغاليين.
اعد الإمام قوات كبيرة بقيادة الشيخ مسعود بن رمضان وذلك لمواجهة البرتغاليين في مسقط ومطرح وقد اتخذ الشيخ مسعود من منطقة مطرح مركزا لتجمع قواته. تقابل العمانيون والبرتغاليون في " طوى الرولة " حيث انتصرت قوات الإمام وهزمت البرتغاليين, وهدمت بعض الأبراج والمباني التي تحصنوا بها, ولكن مسقط لم تسقط في يد قوات الإمام, انتهت المعركة بعقد الصلح كانت شروطه في صالح العمانيين ومن هذه الشروط :
§ أن يتنازل البرتغاليون عن كل الأراضي والمباني التابعة لهم في منطقة صحار.
§ و أن يدفعوا الجزية كل عام
§ و أن يسمحوا للعمانيين بزيارة مسقط دون أية عقبات.
طلب الإمام ناصر من واليه " حافظ بن سيف " على منطقة " لوى " أن يستولي على صحار ويبني فيها قلعة, وقد تمكن حافظ بن سيف من هزيمة البرتغاليين في منطقة " البدعة " في صحار عام 1633م.
جهز الإمام جيشا كبيرا بقيادة القاضي خميس بن سعيد الشقصي وأمره بالتوجه لتأديب البرتغاليين في مسقط بحجة رفضهم مواصلة دفع الجزية. وعندما وصل الجيش إلى مطرح اضطر البرتغاليون إلى عقد اتفاق جديد تعهد البرتغاليون بموجبه بدفع الجزية وتسليم المناطق التي يسيطرون عليها وعدم تعرضهم لتجارة المسلمين.
كلف الإمام ابن عمه " سلطان بن سيف " بحرب البرتغاليين في كل من صور و قريات, وكان التوفيق حليفه في هذه الحروب حيث استولى عليها.
وهكذا, فعندما توفي الإمام ناصر بن مرشد عام 1649م دفن بنزوى ولم يعقب الا ابنة واحدة, لم يكن بيد البرتغاليين إلا مسقط.
3. تصفية الوجود البرتغالي الذي كان موجودا في مسقط في عهد الإمام سلطان بن سيف الأول 1649 – 1680م.
وجه الإمام سلطان النداء لكل القبائل أن تلتقي به في " سيح المرمل" عام 1650م واتخذ من امتناع البرتغاليين عن دفع الجزية ذريعة لاستئناف القتال ضدهم, ومن " طوى الرولة " اخذ الإمام سلطان يشن الهجمات ضد البرتغاليين الذين قاوموا الهجوم من حصون " مسقط" وأبراجها وجبالها. وفي اليوم الموعود وعلى حين غرة وبعد أن صلى الإمام صلاة الفجر وصلاة الحرب تقدم بسرعة على رأس قواته حتى وصل إلى جبل الوادي الكبير في مسقط, حيث بدأ العمانيون اعنف هجوم على البرتغاليين, واندفعوا داخل الحصنين حيث دمروا الأبراج على من فيها من البرتغاليين. ولم يوقفهم احد لان البرتغاليين كانوا في غير وعيهم, وبذلك تمكن العمانيون من قتل أفراد الحامية البرتغالية بالسيوف والرماح.
هاجم العمانيون حصن مطرح, ولكن القائد البرتغالي وافق على التسليم, ولم يبق غير سفينتين برتغاليتين ترابط أحداهما حول
المقاومة الباسلة التي أبداها العمانيون ضد البرتغاليين
مطرح والأخرى أمام مسقط تطلقان نيرانهما على العمانيين.
أرسل الإمام عددا من المجاهدين البحريين العمانيين للغوص تحت الماء لإغراق هاتين السفينتين وقد نجحت مغامراتهم وتم اغراقهما.
خسر العمانيون نحو خمسة آلاف شهيد, وأما البرتغاليون فقد تم القضاء عليهم جميعا.
عين الإمام ابنه " بلعرب " واليا على مسقط وعاد هو إلى نزوى وقد أرسل نائب ملك البرتغال في الهند قوات من "جوا" لتخليص مسقط لكنها فشلت وانهزمت.
استقبل الإمام استقبال الأبطال في نزوى بعد هذا الانتصار العظيم, وصمم على أن يواصل الجهاد ضد البرتغاليين على امتداد شواطىء المحيط الهندي.
" يتفق المؤرخون عموما على ان الخطوط الدفاعية الحصينة في مسقط ... انما سقطت بنتيجة خدعة حربية حرمت البرتغاليين من وصول المؤن اليهم ومكنت العمانيين من مهاجمة قلاعهم بنجاح. وعندما استسلم القائد البرتغالي في مطرح بعد ذلك للإمام كان استسلامه بمثابة خاتمة للنفوذ البرتغالي في عمان"
4. اليعاربة يكونون قوة بحرية عظيمة :
رأى الإمام سلطان بن سيف الأول 1649 – 1680م أن ينقل جهاده ضد البرتغاليين من البر إلى البحر فصمم على تكوين قوة بحرية عظيمة ولقد نجح في ذلك هو من جاء بعده وأصبح الأسطول العماني في عهد اليعاربة سيد المحيط الهندي والخليج العربي طيلة نهاية القرن السابع عشر و أوائل القرن الثامن عشر, وأصبح على درجة من القوة تخشاه فيها الأساطيل الإنجليزية والهولندية.
وقد كانت قوة الأسطول العماني زمن الإمام سلطان بن سيف الثاني 1711 – 1718م على النحو التالي :
تكون الأسطول العماني من عدد من السفن الحربية منها سفينة حربية واحدة مجهزة بحوالي أربعة وسبعين مدفعا, كما ضم سفينتين كل واحدة منهما مجهزة بحوالي ستين مدفعا, وسفينة ذات خمسين مدفعا وثماني عشرة سفينة مجهزة كل منها بمدافع يتراوح عددها بين اثني عشر إلى اثنين وثلاثين مدفعا كما يتبع هذا الأسطول عدد من السفن والقوارب المجهزة بأربعة إلى ثمانية مدافع صغيرة الحجم والمدى, كما أن الأسطول التجاري يشترك مع الأسطول الحربي في العمليات الحربية المختلفة.
5. الامتداد العماني في مناطق الخليج العربي والمحيط الهندي :
شهدت منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي منذ العصور القديمة سيطرة عمان على مياهها, لكن هذه السيطرة ضعفت بوصول البرتغاليين إلى المنطقة, ولم يستسلم العمانيون لتلك السيطرة فبعد تطهير الأرض العمانية عادت السيادة العمانية على مياه مناطق الخليج العربي والمحيط الهندي.
مع تحياااتي:::سووووووووووسووووووووووو